يعدّ تعلّم اللغات في عصرنا الحالي أحد أهمّ أدوات التقدم وتطوير المهارات التي قد تفتح العديد من مجالات العمل وتطوير الذات لمتعلّميها، كما وأصبح العمل على هذه المهارات هدف كثيرٍ من شغوفي حبّ السفر وخوض التجربة في العديد من البلدان والمجتمعات، بالإضافة إلى أن تعلم اللغات أصبح يوفّر فرص عملٍ أكبر، ويحتلّ مكانة مرموقة في وسط الترجمة والتدريس.
وعلى الرغم من أن تعلم لغةٍ جديدةٍ قد يُعتبر أمرًا شاقا في البداية وقد يستغرق وقتًا طويلًا وجهدًا كبيرًا، كما ويتطلب التفاني والمثابرة والعمل على ممارستها باستمرار، إلا أنّ هناك العديد من الطرق والخطوات التي يمكن أن تساعد الفرد في تعلم لغةٍ جديدةٍ، كما وقد تفيده باستغلال وقته وجهده حقّ الاستغلال.
وعلى هذا، فهناك بعض المبادئ الأساسية التي لا يجبُ على متعلّم اللغة أن يغفل عنها، إذ أنّها خارطة الطريق إلى كيفيّة إنتقاء اللغة المراد تعلّمها، بالإضافة إلى بعض الإنشطة التي قد تساعده على تطبيق هذه المبادئ، والعمل على تنمية مهارة المتعلم اللغوية.
أولًا: المبادئ الأساسية لتعلم لغة جديدة
ويقترح البحث في هذا المجال الذي يُعرف في الأوساط الأكاديمية باسم (اكتساب لغة جديدة) أنّ هناك ثلاثة عناصر أساسيةٍ لتعلم لغة جديدة وهي:
1. الانخراط في اللغة المراد تعلّمها، وذلك عن طريق القراءة والاستماع ومحاولة فهم اللغة بأفضل صورة ممكنة.
2. معرفة مهارات ومخرجات اللغة الجديدة من كتابة ومحادثة وممارسة.
3. تحديد مكامن الخطأ وتنقيحها، وإجراء التعديلات اللازمة وتصويبها.
هذه هي الخطوات الأساسية لتعلم اللغة التي تريدها وممارستها، فكلما استمعت وقرأت، كلما ازدت قدرتك على المحادثة والكتابة، وبالتالي كلما تعلمت من أخطائك كلما تطورت مهاراتك في اللغة.
ثانيًا: تحقيق الموازنة في ممارسة المهارات الأربع
في كلّ لغةٍ جديدةٍ تريد أن تتعلمها، هناك أربع مهارات أساسية يجب أن تكون على دراية بها، وهي: الاستماع، والمحادثة، والقراءة والكتابة، بل وفي بعض الأحيان يعتبر إتقان تنسيق بنية الكتابة إحدى هذه المهارت، فإذا ما قمت بالتركيز على واحدة منها دون الأخرى، سيختل معيار دراسة اللغة التي تريد تعلمها، وبالتالي، ستقوم بإتقان مهارة على حساب المهارات الثلاث الأخرى.
لذا، يعتبر تطوير مهارة دون الأخرى، إحدى أكبر المشاكل التي تعيق تقدم متعلم اللغة، فعلى سبيل المثال؛ إنه لمن السهل أن يقوم متعلم اللغة الجديدة بالتركيز على فهم المقروء، هذا ولسيما أن اللغة المكتوبة غالبا ما يسهل الوصول إليها، سواءًا عن طريق الكتب الدارسيّة أو الإلكترونيّة. وبالتالي، ينطبق هذا أيضّا على المبادئ الأساسية الثلاث؛ أي إنه لمن السهل نسبيًا على متعلم اللغة أن تتوافر لديه كتبٌ دراسيةٌ عديدة يمكنه من خلالها ممارسة مهارة القراءة ولكن إهمال المبدأين الأساسيين الآخرين كالمحادثة ومعرفة مكامن الخطأ في الكتابة يمكن أن يؤدي إلى إبطاء نمو اللغة عنده.
لهذا وبدلًا من هذا كلّه، فما يحتاجه متعلم اللغة هو خطة دراسية متوازية، تكون مزيجا من الأنشطة الدراسية التي تركّز على تعلّم المنطوق والمكتوب من اللغة، وتهتم بالمبادئ الأساسية الثلاثة كذلك.
ثالثًا: الأخطاء مهمة
غالبا ما يكون الخوف من ارتكاب الأخطاء بمثابة عقبةٍ كبيرةٍ تواجه متعلّم اللغة، لذلك لا بد أن نعلم أن الخوف من ارتكاب الأخطاء أحيانًا، وقول الكلمة الخطأ والتلعثم بها، وعدم القدرة على العثور عليها هي أخطاء منطقيّة تمامًا؛ أي أنّ كلّ شخصً يتعلم لغة جديدة فسيرتكب أخطأءً عديدة، وغالبًا ما تكون هذه الأخطاء منتشرة بين متعلمي اللغات الجديدة.
أيّما شخصٍ أراد أن يتعلم لغةً جديدةً فلا بد أنّ ارتكاب الأخطاء، بل وأحد المبادئ الأساسية لتعلم اللغة هو ارتكاب الأخطاء ثم التعلم منها؛ وهذا ما نعنيه بتصويب مكامن الخطأ وتنقيحها، وبالتالي، إن لم يكن المتعلم على استعداد لارتكاب الأخطاء، فإن تطوّر مهارتي الكتابة والمحادثة سيضمحلّان تمامًا، بمعنى آخر، أنّ الخوف من ارتكاب الخطأ يؤثّر سلبًا على اثنين من المبادئ الأساسية اللازمة لتعلم أيّ لغة.
لذا يجب على متعلم اللغة الجديدة أن يحبث عن طريقة يمكنه من خلالها تدريب نفسه بأجواء أقلّ ارتباكًا ومخاطر التعرض للإحراج من غيرها، ومن ذلك أن يخلق المتعلم مواقفًا يشعر فيها براحة أكبر عند تجربة لغته الجديدة، وارتكاب الأخطاء مهما كانت.
وعلى سبيل المثال، فمن الأفضل لكل متعلم لغة أن يعثر على شخص أو زميل دراسة يكون بمستوى مهاراته اللغوية، فغالبًا ما يكون ذلك باعثًا للراحة من ممارسة اللغة مع طالب متقدم أو متحدث أصلي، بل وعادةً ما يكون من السهل العثور عليهم.
رابعًا: تقسيم وقت الدراسة
إنّ دراسة لغةٍ جديدةٍ تتطلب تعلم الكثير من المهارات والأساليب الجديدة، لذلك فعلى متعلم اللغة أن يقوم باستغلال وقت دراسته بأكبر قدر ممكن من الفعالية. وفقًا لبحثٍ في علوم النّفس التربوية والمعرفيّة، فإن إحدى أكثر طرق التعلم فعالية هي الممارسة المتفرّقة، ويتكون هذا المفهوم من عنصرين رئيسيين هما:
1. التباعد: وهو تقسم وقت الدراسة إلي جلساتٍ صغيرةٍ متعدّدة.
2. الفصل: وهو توزيع هذه الجلسات حسب وقت محدد.
خامسًا: عزّز من قوّة ذاكرتك
تُعتبر الذاكرة جزءًا مهمًا في الدراسة، وترتبط كيفية الحفظ ارتباطًا وثيقًا بالنجاح في تعلم لغة جديدة، ولكن إذا لم تكن جيدًا في حفظ الأشياء، فلا تيأس، فعلى الرغم من أنّ الناس غالبًا ما يعتبرون الذاكرة جزءًا أساسيًا في التعلم، إلّا أنّها في الواقع مهارةُ يمكن تحسينها من خلال الممارسة الدائمة.
يوجد قدرٌ كبير ٌمن الأبحاث حول كيفيّة عمل الذّاكرة، بالإضافة الى الأبحاث التي تعنى بمجموعةٍ واسعةٍ من الخطوات لتحسين الذاكرة، فعلى سبيل المثال، تظهر التجارب العلميّة أن ذاكرتنا قصيرة المدى يمكنها أن تحتوي فقط على 7 أجزاء من المعلومات الجديدة في وقتٍ واحد، لذا، إذا ما أراد متعلم اللغة أن يعمل على قائمة طويلة من الكلمات الجديدة، فلا بدّ أن يبدأ بتقسيمها إلى مجموعاتٍ أصغر، ويقوم بدراسة قسمٍ أصغر في كلّ مرة، بالاضافة إلى ذلك، تشير الأبحاث أيضًا إلى أنّ طرق الدراسة القائمة على الاسترجاع تكون أكثر فعالية من غيرها؛ أي أنّ هذه المحاولة النّشطة لاستدعاء المعلومات أكثر فعاليةً من مجرّد مراجعة المعلومات؛ وبالتالي سيساعدك الاختبار الذاتي أكثر من إعادة قراءة ملاحظاتك بشكل أساسي.
أفضل طريقة لتطوير الذاكرة هي الاستفادة من الطّرق التي يمكن فعلًا النجاح في تطويرها لإفادة متعلم اللغة ونفعه. وهنالك العديد من الأساليب التي قد تساعد على تحقيق هذا الأمر وبشكلٍ فعّالٍ للغاية، منها:
1. أن يربط المتعلم الكلمة التي يريد حفظها بصورةٍ ما، وبالتالي، دمج الصورة والكلمة عن طريق ممارستها واستحضارها.
2. إذا كان المتعلم محتارًا من أين يبدأ وكيف، فهناك طريقةً فعّالةً لحفظ كلمة جديدة وهي: أن يستخدم الكلمة التي يريد حفظها خمس مرات على الأقل في اليوم الأول، ثم عدة مرات على مدار الأسبوع، ومرة واحدة على الأقل كلّ يوم بشكلٍ دوريّ.
بالإضافة إلى معرفة واكتشاف الطرق التي قد تساعدنا في حفظ الكلمات، فإنّه لمن المهم أن نحافظ على ذاكرتنا أيضا، فقد تبين أن تعريض الذاكرة لضغطٍ عاطفيّ ومشاعر مخيفةٍ أحيانا قد يقلل من قدرتها على حفظ او استرجاع المعلومات منها.
لذلك إذا أردت أن تحافظ قدر المتسطاع على ذاكرتك وكيفيّة استرجاع المفردات فلا بد أن تنجنب الآتي:
1. التوتّر والقلق
2. زخم المعلومات
3. إجهاد الذاكرة
4. تعدّد المهام
سادسًا: تعلم مفردات جديدة هو الأساس
لطالما كان تعلم مفرداتٍ لغة أجنبيةٍ أهمّ من تعلم قواعدها، هذا لا يعني أن تعلم القواعد ليس مهمًا وإنّما إذا تمكن متعلم اللغة من حفظ ما يستطيع من المفردات فإنه سيتمكن من إيصال فكرته ولو كان علمه بقواعد اللغة ليس قويًا.
لا شكّ أنّ الذي يقبلُ على تعلم لغة جديدة، سيواجه بعضَ التحديات التي قد تعيقُ تقدم وتطورَ مهارات اللغة التي يتعلّمها، وهو مُعرضٌ بالطبع لأن يشعرَ بالملل الشديدِ نتيجةَ عدمِ تقدّمه في اللغة كما ينبغي، وعلى هذا فقد أوردنا لك بعض الخطوات التي يحتاجها كلّ متعلم لغة لكي بتجنب الوقع في الحيرة والملل من مسيرة تعلّمه، ومنها:
1. تذكّرُ الغاية من تعلّم اللغة
إن تذكّر الهدف من تعلِّم لغةٍ ما قد يكونُ بمثابةِ حافزٍ يدفع طالبَ اللغة ومتعلِّمها إلى سرعة الإنجاز في تعلِّم مهاراتِها وإحرازِ التقدم بها.
2. التّركيز على اختيارِ ما يريد حقًا أن يتعلّمه
قد يواجه متعلم اللغة صعوبة في اختيار ما يريد أن يتعلمه بالفعل من اللغة الجديدة، واكشتاف مكامن الضعف في بعض المهارات دون غيرها، فلا بُدّ أن يقومَ بالتركيز على الجزء الذي يريد أن يطوّر نفسه فيه.
3. العملُ على إتقان اللغة الأم أولا
جميعنا يمكنه أن يتكلم بلغته الأم وأن يتواصل عن طريقها، ولكن ليس بالضرورة أن نكون على درايةٍ بكل جوانبها، فعلى متعلِّم اللغة أن يعمل على اتقان لغته الأم قدر المستطاع، فإنَّ ذلك سيسهل عليه تعلَّم اللغة الجديدة مهما كانت.
نتمنّى أنّ نكون قد نجحنا في إثارة شغفك لتعلّم لغاتٍ أخرى. إن كنّا قد فعلنا، إليك الآن أشهر التطبيقات التي تساعدك على إتقان لغاتٍ جديدة بأساليب شيّقة ومتنوّعة.
تطبيقات تعليم اللغات
سواءٌ كنت تخطّط لرحلةٍ مثيرةٍ خارج دولتك مع العائلة أو الأصدقاء أو استغلال وقتك في تحسين مهاراتك في لغةٍ جديدة، ستجد أنّ تطبيقات تعليم اللغة ستساعدك في تكوين مخزونٍ جيّد من المفردات المتنوّعة في جميع المجالات، وبناء قاعدةٍ قويّةٍ في قواعد اللغة التي تريد تعلّمها، إلى أن تتمكّن من التحدّث بطلاقة، ولا حاجة للذهاب بعيدًا، فكلّ ذلك يمكن أن يتم من وراء شاشة هاتفك الذكيّ أو حاسوبك المحمول.
1. دولينغو Duolingo
يُعتبر هذا التطبيق من أشهر التطبيقات لتعلّم وإتقان أيّ لغة، فهو يتمتّع بواجهة استخدامٍ ذات ألوانٍ زاهية، ويوفّر تمارينًا قصيرةً في مهارات اللغة على شكل ألعاب، فلا تشعر بالملل أثناء دراستك للغة. لا حدود للغات التي تريد تعلّمها على هذا التطبيق، بل وفي آنٍ واحد؛ إلّا أنّه وجب الحذر من محاولة تعلم أكثر من لغةٍ معًا، فلا يصيبك الشتات ولا تتمكن من إتقانهن جميعًا.
2. بابل Babbel
يعطيك هذا التطبيق تجربة منهجٍ دراسي ولكن على الإنترنت وبصورةٍ أكثر متعةً وإفادة. يساعدك التصميم البسيط أيضًا على جعل اللغة التي تتعلّمها غير مربكة أو معقّدة، والأهم من هذا أنّه يعرضها بطريقةٍ ممتعة تمنعك من الشعور بالملل خلال الدراسة. تتضمّن طريقة التدريس في هذا التطبيق عدد من الجمل في اللغة يمكن أن تجرّب ترجمتها، إضافةً إلى الجمل واشتقاقاتها والعبارت المختلفة رسميّةً كانت أم غير رسميّة.
3. موندلي Mondly
على غرار دولينغو، يعدّ تطبيق موندلي تطبيقًا ممتعًا زاهي الألوان، إذا يحتوي على عدّة ميزّات مفيدة. يعرض لك تصريفاتٍ مختلفةٍ للأفعال إذا ما قمت بالنقر على إحدهم. يتحدّث المعلّم في هذا التطبيق الكلمات والعبارات بطريقةٍ ملحّنة؛ الأمر الذي يجعل منها سهلة التذكّر.